باب ذكر نبينا محمد
................................
صلى الله عليه وسلم وذكر نسبه
عن عمر بن حفص السدوسي قال: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار.
....
و أم رسول الله.صلى الله عليه وسلم
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.
قلت: و أما نزار فهو ابن معد بن أد بن أدد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
........................
ذكر طهارة آبائه وشرفهم
عن واثلة بن الأسقع أن النبي. صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم: إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل: كنانة واصطفى من بني كنانة: قريشا، واصطفى من قريش: بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم .
.......
ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب
آمنة بنت وهب كان عبد المطلب قد خطب آمنة لابنه عبد الله، فزوجها إياه فبقي معها مدة وجرت له قصة قبل حملها برسول الله.صلى الله عليه وسلم عن أبي فياض الخثعمي، قال: مر عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها فاطمة بنت مر ، وكانت من أجمل الناس و أشبه و أعفه، وكانت قد قرأت الكتب، وكان شباب قريش يتحدثون إليها فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى: من أنت? فأخبرها. فقالت: هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل? فنظر إليها وقال:
أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فأستبينـه فكيف بالأمر الذي تنوينه ثم مضى إلى امرأته آمنة فكان معها.
ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه فأقبل إليها فلم ير منها من الإقبال عليه اخرا كما رآه منها أولا، فقال: هل لك فيما قلت لي? فقالت: قد كان ذلك مرة فاليوم لا ، فذهبت مثلا. وقالت: أي شيء صنعت بعدي? قال: وقعت
على زوجتي آمنةبنت وهبة قالت: والله إني لست بصاحبه زينة ولكني رأيت نور النبوة في وجهك فأردت أن يكون ذلك في، فأبى الله إلا أن يجعله حيث جعله.
............
ذكر حمل آمنة برسول الله
روى يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته قالت: كنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول الله. صلى الله عليه وسلم كانت تقول: ما شعرت أني حملت ولا وجدت له ثقلا كما تجد النساء إلا أني أنكرت رفع حيضي و أتاني آت و أنا بين النوم واليقظة فقال: هل شعرت أنك حملت? فكأني أقول: ما أدري. فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الامة ونبيها، وذلك يوم الاثنين. قالت: فكان ذلك مما يقن عندي الحمل. فلما دنت ولادتي أتاني ذلك فقال: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد.
..............
ذكر وفاة عبد الله
قال محمد بن كعب: خرج عبد الله بن عبد المطلب في تجارة إلى الشام مع جماعة من قريش، فلما رجعوا مروا بالمدينة وعبد الله مريض فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار. فقام عندهم شهرا ومضى أصحابه فقدموا مكة، فأخبروا عبد المطلب فبعث إليه ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة وهو رجل من بني عدي، فرجع إلى أبيه فأخبروه فوجد عليه وجدا شديدا ورسول الله. صلى الله عليه وسلم يومئذ حمل. ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة وقد روي عن عوانة بن الحكم أن عبد الله توفي بعد ما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرون شهرا، وقيل سبعة أشهر. ولاقول الأول أصح وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حملا يومئذ. وترك عبد الله أم أيمن وخمسة أجمال وقطعة غنم فورث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وكانت أم أيمن تحتضنه.
......................
ذكر مولد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال أحدها: أنه ولد ليلتين خلتا منه، والثاني: لثمان خلون منه، والثالث: لعشر خلون منه، والرابع: لاثنتي عشرة خلت منه.
وروى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم أن آمنة قالت: لقد علقت به فما وجدت له مشقة، وأنه لما فصل عنها خرج له نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب ووقع إلى الأرض معتمدا على يديه.
وقال عكرمة: لما ولدته وضعته برمة فانقلعت عنه، قالت: فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء.
وقال العباس بن عبد المطلب: ولد رسول الله. صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا، فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن من شأن، فكان له شأن.
وروى يزيد بن عبد الله بن وهب عن عمته: أن آمنة لما وضعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى عبد المطلب، فجاءه البشر وهو جالس في الحجر، فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه -وروي أنه قال يومئذ -. المطلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه
الحمد لله الذي أعـطـانـي هذا الغلام الطـيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالـلـه ذي الأركـان
حتى أراه بالـغ الـبـنـيان أعيذه من شر ذي شـنـآن
من حاسد مضطرب العيان وفي حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك. قال: قل لا يفضض الله فاك: فأنشأ يقول:
من قـبـلـهـا طـبـت فـي الـظــلال وفـــي مسـتـودع حــيث يخـــصـــف الـــورق
ثم هـبـطـــت الـــبـــلاد لا بـــشـــر أنـــت ولا مـــضـــغة ولا عـــلــــق
بل نـطـفة تـركـب الــســـفـــين وقـــد ألـجـم نـسـرا وأهـــلـــه الـــغـــرق
تنـقـل مــن صـــالـــب إلـــى رحـــم إذا مـضـى عــالـــم بـــدا طـــبـــق
حتـى إذا احـتـوى بـيتـك الـمـهـيمـن مـــن خنـدق عـلـياء تـحـتـهـا الـــنـــطـــق
و أنـت لـــمـــا ولـــدت أشـــرقـــت الأرض و ضـــاءت بـــنـــورك الأفـــق
فنحن من ذلك الضياء، وفي النور،وسبل الرشاد نخترق.
....................
ذكر أسماء رسول الله
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله.صلى الله عليه وسلم لي خمسة أسماء،أنا محمد و أحمد و أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر و أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي أنا العاقب -رواه البخاري مسلم.
وفي أفراد مسلم من حديث أبي موسى قال: سمى لنا رسول الله. صلى الله عليه وسلم نفسه فقال: انا محمد وأحمد والمقفي والماحي والحاشر ونبي التوبة والملحمة -وفي لفظ نبي الرحمة -.
وقد ذكر أبو الحسين بن فارس الغوي أن لنبينا صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر اسما، محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة والملحمة والشاهد والمبشر والنذير والسراج المنير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى والنبي والرسول، والأمي، والقثم.
والماحي: الذي يمحى به الكفر، و الحاشر: الذي يحشر الناس على قدميه أي يقدمهم وهم خلفه، و العاقب: آخر الأنبياء، والمقفي: بمعنى العاقب لأنه تبع الأنبياء، وكل شيء تبع شيئا فقد قفاه. و الملاحم: الحروب والضحوك: صفته في التوراة. قال ابن فارس: وإنما قيل له الضحوك لأنه كان طيب النفس فكها، وقال: إني لأمزح.
والقثم من معنين: أحدهما من القثم وهو الإعطاء، يقال قثم له من العطاء يقثم إذا أعطاه. وكان عليه السلام أجود بالخير من الريح الهبابة والثاني: من القثم هو الجمع يقال للرجل الجموع للخير قثوم و قثم و الله أعلم. بالخير من الريح الهبابة والثاني
.................
ذكر من أرضعه
قالت برة بنت أبي تجرأة: أول من أرضع رسول الله. صلى الله عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها، يقال له مسروح، أياما قبل أن تقدم حليمة. وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، و أرضعت بعده سلمة بن عبد الأسد، ثم أرضعته حليمة بنت عبد الله السعدية.
و عن حليمة ابنة الحارث، أم رسول الله. صلى الله عليه وسلم التي أرضعته، -السعدية -قالت: خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر بن هوازن نلتمس الرضعاء بمكة فخرجت على أتان لي قمراء قد أدمت بالركب قالت: و خرجنا في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا أنا و زوجي الحارث بن عبد العزى، وقالت: ومعنا شارف لنا والله إن تبض علينا بقطرة من لبن، ومعي صبي لنا والله ما ننام ليلنا من بكائه ما في ثديي لبن يغنيه ولا في شارفنا من لبن يغذيه، إلا أنا نرجو الخصب والفرج. فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله. صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو الكرامة في رضاعة من نرضع له، من والد المولود، و كان يتيما.). فقلنا ما عسى أن تفعل بنا أمه? فكنا نأبى حتى لم تبق من صواحباتي امرأة إلا أخذت رضيعا، غيري. قالت: فكرهت أن أرجع و لم آخذ شيئا وقد أخذ صواحباتي. فقلت لزوجي الحارث: و الله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
قالت: فأتيته فأخذته ثم رجعت به إلى رحلي. قالت: فقال لي زوجي: قد أخذته? قلت نعم، وذلك أني لم أجد غيره. قال: قد أصبت عسى أن يجعل الله فيه خيرا.
قالت: والله ما هو إلا أن وضعته في حجري فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، وقام زوجي الحارث إلى شارفنا من الليل فإذا هي تحلب علينا ما شئنا، فشرب حتى روي، وشربت حتى رويت. قالت فبتنا بخير ليلة شباعا رواء. قالت: فقال زوجي: و الله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبت نسمة مباركة، قد نام صبيانا وقد روينا و رويا.
قالت: ثم خرجنا. قالت: فو الله لخرجت أتاني أمام الركب قد قطعتهم حتى ما يتعلق بها منهم أحد، حتى إنهم ليقولون: ويحك يا بنت الحارث، كفي علينا، أليست هذه أتانك التي خرجت عليها? فأقول بلى والله. فيقولون: إن لها لشأنا.حتى قدمنا منازلنا من حاضر منازل بني سعد بن بكر. قالت: فقدمنا على أجدب أرض الله. قالت: فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا، و أسرح راعي غنمي وتروح غنمي حفلا بطانا وتروح أغنامهم جياعا هالكة مالها من لبن، فنشرب ما شئنا من اللبن و ما من الحاضر من أحد يحلب قطرة ولا يجدها. قالت: فيقولون لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي غنم حليمة? فيسرحون في الشعب الذي تسرح فيه غنمي وتروح أغنامهم جياعا مالها من لبن وتروح غنمي حفلا لبنا.
قالت: وكان يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، و يشب في الشهر شباب الصبي في سنة. قالت، فبلغ سنين وهو غلام جفر. قالت: فقدمنا به على أمه فقلت لها أو قال لها زوجي: دعي ابني فلنرجع به فإنا نخشى عليه وباء مكة قالت: و نحن أضن شيء به لما رأينا من بركته.). فلم نزل به حتى قالت: ارجعا به. قالت: فمكث عندنا شهرين.
قالت: فبينما هو يلعب يوما من الأيام هو وأخوه خلف البيت إذا جاء أخوه يشتد فقال لي و لأبيه: أدركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه قالت فخرجت وخرج أبوه يشتد نحوه فانتهينا إليه و هو قائم منتقع لونه فاعتنقته و اعتنقه أبوه وقال: مالك يا بني? قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني، و الله ما أدري ما صنعا.
قالت: فاحتملناه فرجعنا به. قالت يقول زوجي: و الله يا حليمة ما أرى الصبي إلا قد أصيب. فانطلقي فلنرده إلى أمه قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه. قالت فرجعنا به إلى أمه، فقالت ما ردكما به فقد كنتما حريصين عليه? فقلنا: لا والله إلا أنا كفلناه وادينا الذي علينا من الحق فيه، ثم تخوفنا عليه الأحداث فقلنا: يكون عند أمه قالت: فوالله ما زالت عند أمه فقالت: والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره. قالت: فوالله مازالت بنا حتى أخبرناها خبره. قالت أتخوفتما عليه? لا والله إن لإبني هذا شانا إلا أخبركما عنه: إني حملت به فلم احمل حملا قط هو أخف منه ولا اعظم بركة منه، لقد وضعته فلم يقع كما يقع الصبيان، لقد وقع واضعا يده في الأرض رافعا رأسه إلى السماء. دعاه والحقا بشأنكما.
قال الشيخ: وظاهر هذا الحديث يدل أن آمنة حملت غير رسول الله.)؛ وقد قال الوقدي: لا يعرف عند أهل العلم أن آمنة وعبد الله ولدا غير رسول الله ).
فأما حليمة: فهي بنت أبي ذؤيب واسمه عبد الله بن الحارث بن شحنة بن جابر السعدية، قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوج خديجة، فشكت إليه جدب البلاد فكلم خديجة فأعطتها أربعين شاة و أعطتها بعيرا، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت و أسلم زوجها الحارث بن عبد العزى.
قال محمد بن المنكدر: استأذنت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانت أرضعته، فلما دخلت قال أمي أمي، وعمد الى ردائه فبسطه لها فجلست عليه.
قأما ثويبة فهي مولاة أبي لهب ولا نعلم أحدا ذكر أنها أسلمت غير ما حكى أبو نعيم الأصفهاني أن بعض العلماء قال: قد اختلف في إسلامها.
وروى الواقدي عن جماعة من أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرم ثويبة ويصلها وهي بمكة، فلما هاجر كان يبعث إليها بكسوة وصلة، فجاءه خبرها سنة سبع مرجعه من خيبر أنها توفيت.
عن عروة قال: كانت ثويبة لأبي لهب وأعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم، قال ماذا لقيت يا أبا لهب? فقال ما رأيت بعدكم روحا غير أني سقيت في هذه مني بعتقي ثويبة. قال و أشار إلى بين الإبهام والسبابة.
قال الشيخ: وقد جاء حديث شرح صدره صلى الله عليه وسلم في الصحيح.
وعن أنس بن مالك أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه، يعني ظئره، فقالوا ان محمدا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره. صلى الله عليه وسلم انفرد بإخراجه مسلم. وقد ذكرنا أن حليمة أعادته إلى أمه بعد سنتين وشهرين وقال ابن قتيبة: لبث فيهم خمس سنين.
................................
ذكر وفاة أمه آمنة
لما ردته حليمة أقام رسول الله. صلى الله عليه وسلم عند أمه آمنة إلى أن بلغ ست سنين ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني عدي بن النجار تزورهم به ومعها أم ايمن تحضنه. فأقامت عندهم شهرا ثم رجعت به إلى مكة فتوفيت بالأبواء فقبرها هنالك فلما مر رسول الله. صلى الله عليه وسلم بالابواء في عمرة الحديبية زار قبرها وبكى.
واخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي. صلى الله عليه وسلم أنه قال: استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي.
.....................................
ذكر ما كان من أمره
بعد وفاة أمه آمنة روى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم، منهم مجاهد والزهري، أن آمنة لما توفيت قبض رسول الله. صلى الله عليه وسلم جده عبد المطلب وضمه إليه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وقربه وأدناه، وان قوما من بني مدلج قالوا لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه. فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظه. ومات عبد المطلب فدفن بالحجون وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل ابن مائة وعشر سنين، ويقال وعشرين سنة.
وسئل رسول الله. صلى الله عليه وسلم أتذكر موت عبد المطلب قال: نعم وأنا يومئذ ابن ثمان سنين. قالت أم أيمن: رأيت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي عند قبر عبد المطلب وذكر بعض العلماء أنه كان لرسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم موت عبد المطلب ثماني سنين وشهران وعشرة أيام.
....................................
ذكر كفالة أبي طالب للنبي
ذكر جماعة من أهل العلم أنه لما توفي عبد المطلب قبض رسول الله. صلى الله عليه وسلم أبو طالب، وكان يحبه حبا شديدا ويقدمه على أولاده فلما بلغ رسول الله. صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام ارتحل به أبو طالب تاجرا نحو الشام فنزل تيماء فرآه حبر من اليهود يقال له بحيرا الراهب فقال: من هذا الغلام معك? فقال: هو ابن آخي فقال: أشفيق عليه انت? قال: نعم. قال: فوالله لئن قدمت به الشام ليقتلنه اليهود. فرجع به إلى مكة.
حديث بحيرا الراهب
عن داود بن الحصين، قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام وبها راهب يقال له، بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه. فلما نزلوا ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما ثم دعاهم وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله. صلى الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة. ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة وأخضلت أغصان الشجرة على النبي. صلى الله عليه وسلم حين استظل تحتها. فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فأتي به.
وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضرونه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرمونني به. فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا. ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم? قال: فإني أحببت أن أكرمكم فلكم حق.
فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله. صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ورآها متخلفة على رأس رسول الله. صلى الله عليه وسلم، فقال بحيرا: يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي. قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو اصغر القوم سنا في رحالهم.
فقال: أدعوه فليحضر طعامي فما أقبح أن يتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم. فقال القوم: هو والله أوسطنا نسبا وهو أبن أخي هذا الرجل، يعنون أبا طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب: والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا. ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظ لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول الله.صلى الله عليه وسلم لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئا بغضهما. قال فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما بدا لك.
فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول الله. صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبل موضع الخاتم وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك? قال أبو طالب: ابني. قال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال: فابن أخي. قال فما فعل أبوه? قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه? قال: توفيت قريبا. قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه بغيا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم أني قد أديت إليك النصيحة.
فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله. صلى الله عليه وسلم وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته? قالوا: نعم. قال: فما لكم إليه سبيل. فصدقوه وتركوه.
ورجع به أبو طالب فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه، قال الشيخ رحمه الله: وما زال. صلى الله عليه وسلم في صغره افضل الخلق مروءة وأحسنهم خلقا وأصدقهم حديثا وأبعدهم من الفحش والأذى حتى سماه قومه الأمين.
..............................
ذكر رعيه الغنم
عن أبي هريرة عن النبي. صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم . فقال أصحابه: وأنت? قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة -. انفرد بإخراجه البخاري وقد رواه سويد بن سعيد عن عمرو بن أبي يحيى عن جده سعيد بن أحيحة، فقال فيه: كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط. قال سويد بن سعيد يعني كل شاة بقيراط.
وقال إبراهيم الحربي: القراريط موضع ولم يرد بذلك القراريط من الفضة.
................................
ذكر خروجه إلى الشام
صلى الله عليه وسلم إلى الشام مرة أخرى
قد ذكرنا أنه خرج مع أبي طالب وهو ابن اثنتي عشرة سنة فلما بلغ خمسا وعشرين سنة قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي وقد اشتد علينا الزمان، وهذه عير قومك قد حصر خروجها إلى الشام، وخديجة تبعث رجالا من قومك، فلو جئتها فعرضت نفسها عليها لأسرعت إليك.
وبلغ خديجة ما قال له أبو طالب فقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك. فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك.
فخرج مع غلامها ميسرة: وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدما بصرى من الشام فنزلا في ظل شجرة، فقال نسطورا الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة? قال: نعم لا تفارقه. فقال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء. ثم باع سلعته فوقع بينه وبين رجل تلاح فقال له: أحلف باللات والعزى. فقال رسول الله.صلى الله عليه وسلم ما حلفت بهما قط وإني لأمرؤ أعرض عنهما.. فقال الرجل: القول قولك. وكان ميسرة، إذا كانت الهاجرة واشتد الحر، يرى ملكين يظلان رسول الله. صلى الله عليه وسلم من الشمس.
ودخل رسول الله. صلى الله عليه وسلم مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في علية لها، فرأت رسول الله. صلى الله عليه وسلم على بعيره، وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك، ودخل عليها رسول الله. صلى الله عليه وسلم فأخبرها بما ربحوا في وجههم فسرت بذلك. فلما دخل ميسرة أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام. وأخبرها بما قال الراهب.
.......................
ذكر زواجه بخديجة
ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة
قالت نفيسة بنت منية كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن العزى بن قصي، امرأة حازمة جلدة شريفة، أوسط قريش نسبا وأكثرهم مالا، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك، وقد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع من الشام، فقلت يا محمد: ما يمنعك أن تزوج? فقال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب? قال: فمن هي? قلت: خديجة. قال: وكيف بذلك? قلت: علي. قال: وأنا افعل: فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أن أئت لساعة كذا وكذا وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها فحضر، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة.
وقد ذكر بعض العلماء أن أبا طالب حضر العقد ومعه بنو مضر، فقال ابو طالب: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئي معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس. ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به فإن كان في المائل قل، فإن المال ظل زائل وأمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها الصداق ما آجله وعاجله من مالي، وهو بعد هذا والله له نبأ عظيم وخطر جليل.
..........................